في مدينة لا ترحم الإخفاق، أصبح جانلويجي دوناروما رمزاً نادراً للصبر والانبعاث من تحت رماد الشك. الحارس الإيطالي الذي عاش لحظة انهيار باريس سان جيرمان في دوري أبطال أوروبا قبل عامين، عاد هذا الموسم ليردّ على كل المشككين بإصرار مذهل، مؤكداً أنه لم يعد ذلك الشاب المهتزّ، بل حارسٌ ناضج يحمل مصير فريقه بين قفازيه.
من الندم إلى الإلهام: حارس يعيد كتابة مصيره
في موسم 2021-2022، وعند لحظة حاسمة في ملعب "سانتياغو بيرنابيو"، ارتكب دوناروما خطأ قاتلاً ساهم في إقصاء باريس سان جيرمان من دوري الأبطال. خطأٌ امتد أثره لسنوات، وكاد يُطبع على مسيرته إلى الأبد. لكن ما تلا ذلك لم يكن انكساراً بل تحوّلاً حقيقياً في شخصية اللاعب.
اللاعب الذي جاء إلى باريس بطلاً لأمم أوروبا من بوابة ميلان، وجد نفسه في قلب دوامة ضغط غير مسبوق، إذ تعيّن عليه أن يتقاسم مركزه مع كيلور نافاس، وأن يثبت أحقيته بحراسة مرمى فريق لا يقبل بالفشل.
تحت الأضواء: دوناروما يصنع صموده الخاص
في باريس، حيث الخسارة تكبر في عيون الإعلام، لم يكن البقاء سهلاً. لكن دوناروما اختار الردّ بالصمت والعمل. لم يطلق تصريحات نارية، ولم يختبئ خلف الأعذار. فقط تدريبات شاقة وتطوّر تدريجي أعاد له ثقة النادي والجماهير. قرار الاعتماد عليه بشكل أساسي بدلاً من نافاس لم يكن منحة، بل اختبار تحوّل إلى انتصار.
والأصعب من صدّ الكرات، كما يصفه البعض، هو مواجهة الخوف الذي يولّده الخطأ. لكن هذا الموسم، في ملاعب صاخبة كـ"أنفيلد" و"الإمارات"، وقف دوناروما بثبات، وكان جداراً حقيقياً أمام محاولات ليفربول وأرسنال. كل تصدٍّ له كان بمثابة إعلان عن شفاء داخلي من جرح بيرنابيو القديم.
نظرة من الداخل: تقدير زملائه وإعجاب مدربه
زميله عثمان ديمبيلي وصفه بأنه "البطل الحقيقي"، بينما لم يتمالك المدرب لويس إنريكي نفسه وأطلق عليه لقب "رائع" بعد مباراة مثالية في "فيلا بارك". إشادةٌ نادرة من مدربٍ معروف بتحفّظه في توزيع المديح، لكنها جاءت لتكرّس مكانة دوناروما كعنصر لا غنى عنه.
تحولات صامتة تصنع الفرق
بعيداً عن التصديّات اللافتة، عمل دوناروما بصمت على نقاط ضعفه: تحسين لعبه بالقدم، التعامل مع الكرات العالية، والقراءة المسبقة للهجمات. ما فعله لم يكن مجرد تدريب، بل مصارحة مع الذات، وتقبّل لمواطن الخلل والعمل الجاد على تصحيحها.
وحتى حين تعاقد باريس مع الحارس الروسي ماتفي سافونوف، لم يرتبك دوناروما. بل على العكس، كانت المنافسة حافزاً جديداً لمزيد من التطور.
رحلة لم تكتمل... لكنها تستحق التقدير
قد ينجح باريس سان جيرمان هذا الموسم في كسر لعنة دوري الأبطال، وقد لا يفعل. لكن المؤكد أن دوناروما، الذي بدأ رحلته مع ميلان في عمر 16، أصبح الآن حجر الأساس في مشروع باريس الجديد. لم يعد فقط "الحارس الواعد"، بل هو اليوم "الحارس القائد".
وحتى لو لم تبتسم له الكأس ذات الأذنين هذا العام، فقد حقق دوناروما انتصاره الخاص: انتصر على الخوف، وعلى الذكريات، وعلى كل الأصوات التي شككت في قدرته. وهذا، كما تقول كرة القدم، هو أصعب أنواع الانتصار... وأكثرها صدقاً.